ولدت هيلينا كوفالسكا Helena Kowalska في ١٩٠٥/٨/٢٥ في فرصوفيا عاصمة بولونيا من عائلة متواضعة وكانت الإبنة الثالثة بين عشرة أولاد .
ظهرت السيدة العذراء في حياة من ستكون رسولة الرحمة الإلهيّة منذ طفولتها.
تروي الأخت فوستين حلماًً رأته في ربيعها الخامس :أنها جالت في الفردوس مع السيدة العذراء يدا بيد ولكن أحداً لم يعط أهمية لهذا الحلم نظراً لصغر سنها.
في ربيعها التاسع سنة ١٩١٤ إحتفلت هيلينا بمناولتها الأولى وإكتشفت عظائم الصلاة الأمر الذي شغل بال أمها.
كانت تقول ببساطة :
*“اظن أن ملاكي الحارس هو الذي يوقظني أثناء الليل أصلي.”*
وبسبب فقر عائلتها ذهبت إلى المدرسة لسنتين فقط وبعدها كانت تساعد العائلة في أعمال الحقل و حراسة الماشية وتقوم بأعمال المنزل و المطبخ.
نِعم الرب ظاهرة في حياتها منذ صغرها ففي ربيعها الخامس عشر قالت لأمها: يجب أن أدخل الدير.
لكن والديها كانا معارضين بشدة لهذه الفكرة بسبب فقرهما وعجزهما عن تأمين جهاز الرهبنة.
سبّب لها هذا الرفض كآبة وحاولت أن تسكت هذا الصوت الداعي لأن تكرس حياتها للرب متجهة نحو أباطيل الحياة
ولكن في الأول من آب سنة ١٩٢٣ إنتصر هذا الصوت الخفي وتروى هيلينا ما حصل لها:
“ذات مساء كنت مع إحدى أخواتي في حفلة ساهرة وبينما كان الجميع بمرح كنت أشعر في داخلي بقلق كبير لما بدأت بالرقص رأيت فجاة بقربي السيد المسيح معذاباً وعرياناً ومثخناً بالجراح قائلاً لي:
*إلى متى عليَّ أن أحتملكِ وإلى متى ستخيبين أملي؟*
عند ذلك توقفت الموسيقى العذبة بالنسبة لي وغاب كل الحضور عن ناظري ولم يبق إلا يسوع وأنا."
تركتْ هيلينا أصدقاءها خلسة وإتجهت نحو كاتدرائية القديس ستانيسلاس كوستكا وأمام القربان المقدس سألت الرب أن يعلمها مشيئته وفجأة سمعت هذه الكلمات :
"إذهبي حالاً إلى فرصوفيا وهناك ستدخلين الدير.
وفي تلك الليلة غادرت هيلينا منزل والديها ولم تخبر بذلك إلا أختها فقط وإتجهت نحو فرصوفيا ولم تكن تعرف أية وجهة تأخذ فإلتجأت إلى أمها العذراء متضرعة:
يا مريم أمي قودى خطاي.
الرحمة الإلهيّة وسيّدة الرحمة فقادتها السيدة العذراء إلى ضيعة صغيرة حيث دخلت كنيستها لتصلي طالبة من الرب أن يبين لها إرادته.
تتالت القداديس وخلال واحد منها سمعت هذه الكلمات:
“إذهبي وتكلّمي مع هذا الكاهن وأخبريه كل شئ وهو سيشرح لكِ ما عليك فعله.”
وبعد نهاية القداس توجّهت إلى الكاهن وأخبرته كل شيء فتعجّب في بادئ الأمر
ولكنه شجّعها كي تضع ثقتها بالله وبتدبيره.
قدّمها هذا الكاهن إلى سيدة تقيّة فأقامت عندها وعملت كخادمة
إلى أن طرقت باب جمعية راهبات سيدة الرحمة.
وذلك في الأول من آب سنة ١٩٢٤
وكانت في ربيعها التاسع عشر .
بعد مقابلة صغيرة مع الأم الرئيسة دعتني إلى التوجه إلى رب البيت وسؤاله إذا كان يقبل بي.
فتوجهت بفرح عظيم إلى الكنيسة و سألت : يا سيد هذا البيت هل تقبل بي هذا ما طلبته مني إحدى الراهبات.
وحالاً سمعت :
أقبل.
إنك في قلبي.
ولكن لأسباب عديدة مكثت هيلينا في العالم لفترة أخرى حيث واجهت صعوبات جمّة.
“وأما الرب فلم يحجب نعمة عنها فقد كرست له ذاتي كلياً وفي عيد الرب سكب فيّ نوراً داخلياً وأعطاني معرفة عميقة له فهو الخير و الجمال الأسمى فعرفت كم أن الله يحبني محبة أزلية.”
سنة ١٩٣٣ أبرزت الأخت فوستين نذورها المؤبدة وإتخذت إسمها الجديد : ماريا فوستين.
عملت في الدير كطباخة أولاً وبسب صحتها تنقلت لاحقاً بين العمل في بستان الدير و بين ناطورة المدخل.
كانت دائماً تحافظ على هدوئها ومرحها و بساطتها وكانت متزنة و مجتهدة تعطي بذلك المثل للجميع بحماسها وإخلاصها اللامحدود وبالرغم من صحتها الهزيلة كانت طاعتها و تواضعها و محبتها مثالية .
في ١٩٣١/٢/٢٢ ظهر لها الرب يسوع لأول مرة برداء أبيض بهيّ ونور باهر موصياً إياها أن ترسمه وتكتب على صورته:
“يا يسوع، أنا أثق بك”
وقد فعلت ما أوصيت به، وأعطت الصورة إلى رئيساتها في الدير.
بعد ذلك بدأت تنشر للعالم عن الرحمة الإلهيّة.
إن السنوات الأربع عشرة من حياتها الرهبانيّة كانت حواراً دائماً متواصل مع الرب يسوع وإستشهاداً جسدياً ونفسياً طويلاً تقبلته و قدمته لأجل خلاص العالم .؟
في الحادي عشر من أيّار سنة ١٩٣٦ كان تشخيص الطبيب أن الأخت فوستين مصابة بمرض السل الرئوي والإمعائي وقد تحمّلت منه أوجاعاً أليمة لفترة طويلة.
وقبل ثلاثة عشر يوماً من وفاتها إذ هي طريحة الفراش في المستشفي كانت كل يوم تتناول القربان المقدس من يد سارافيم (ملاك) كان يزورها لهذه الغاية.
فارقت الحياة في الخامس من تشرين الأول سنة ١٩٣٨ في الدير في كراكوفيا وعيناها مسمرتان بصورة المسيح وبصورة الحبل بلا دنس.
ماتت دون أن تعاني لحظات النزاع الرهيبة عن عمر كعمر المسيح ثلاث وثلاثين سنة.
تقدمت دعوى تطويب الأخت فوستين سنة ١٩٦٦ وفي الثامن والعشرين من آذار سنة ١٩٨١ بدأ التحقيق في شفاء السيدة الأميركية مورين دغان و قد ثبتت هذه العجيبة في سنة ١٩٩٢.
أما في سنة ١٩٩٣ أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية وذلك يوم عيد الرحمة الإلهيّة الواقع فيه الثامن عشر من نيسان من تلك السنة و يوم عيد الرحمة الإلهية في ٣٠ نيسان ٢٠٠٠ أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني قدّيسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق